في اليوم العالمي للمسرح: الدكتور محمد أبوالعلا يحاضر، بخنيفرة، حول “المسرح المغربي من القناع إلى الإقناع”

0
  • أحمد بيضي

احتفاءً بالذكرى الـ 62 لليوم العالمي للمسرح، الذي يصادف 27 مارس من كل سنة، احتضنت رحاب “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، مساء الاثنين 27 مارس 2023، لقاءً رمضانياً مفتوحاً مع الباحث والكاتب الدكتور محمد أبوالعلا، من خلال محاضرة له تحت عنوان: “المسرح المغربي من القناع إلى الإقناع”، وسجل اللقاء حضورا نوعيا ومتميزا ومتفاعلا مع موضوع اللقاء، شمل فعاليات محلية، تربوية منها، وإعلامية وجمعوية، ومهتمة بالشأن الثقافي وعاشقة للركح وأبي الفنون.

وقد رفع الستار على أشغال اللقاء بكلمة افتتاحية للباحث ذ. المصطفى فروقي، وضع من خلالها الحضور في دلالة ورمزية هذا اللقاء، وموقعه ضمن خريطة البرامج التي سطرها “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، ومنها أساسا الجسور والمحطات التي تم “فتحها أمام الكتاب والمبدعين والباحثين المحليين لإبراز أعمالهم وتقريبها من جمهور القراء، ومناقشتها معهم”، فيما لم يفت ذ. فروقي استحضار اختيار الفنانة المصرية سميحة أيوب، من طرف المعهد الدولي للمسرح، لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح.

ولم يفت منظمي اللقاء تكليف المبدع السينمائي والمخرج المسرحي، ذ. أحمد غازين، لتلاوة رسالة الفنانة سميحة أيوب، والتي استهلتها بما يعانيه الإنسان “من ضغوط طاحنة ومشاعر صادمة وسط ما ينتاب العالم من حالة من عدم الاستقرار كنتيجة مباشرة لما يمر به من صراعات وحروب وكوارث طبيعية”، وكيف بات هذا العالم “كالجزر المنعزلة، أو كالسفن الهاربة في أفق معبأ بالضباب، كل منها ينشر شراعه ويبحر على غير هدى، ليس يرى في الأفق ما يهديه، ورغم ذلك يكمل إبحاره آملاً أن يصل إلى مرفأ آمن يحتويه”.

ورأت الفنانة المصرية في رسالتها “أن المسرح في جوهره الأصلي هو فعل إنساني محض قائم على جوهر الإنسانية الحقيقي ألا وهو الحياة”، و”عندما نعتلي خشبة المسرح، فإننا نعتليها وبداخلنا حياة واحدة لإنسان واحد إلا أن هذه الحياة لديها قدرة عظيمة على الانقسام والتوالد لتتحول إلى حيوات كثيرة نبثها في هذا العالم لتدب فيه الحياة وتورق وتزدهر فقط لننتشي بعطرها مع الآخرين”، مضيفة “أن ما نقوم به في عالم المسرح (…) إنما هو فعل لخلق حياة لم تكن موجودة من قبل أن نعتلي خشبة المسرح”.

وأكدت سميحة أيوب أن “ما نقوم به على خشبة المسرح هو فعل الحياة نفسها وتوليدها من العدم كجمر مشتعل يبرق في الظلمة فيضيئ ظلمة الليل ويدفئ برودته، نحن من يمنح الحياة رونقها.. نحن من يجسدها.. نحن من يجعلها نابضة ذات معنى.. ونحن من يوفر الأسباب لفهمها.. نحن من يستخدم نور الفن لمواجهة ظلمة الجهل والتطرف”، داعية الجميع للوقوف “صفاً واحداً، يداً بيد، وكتفا بكتف، لننادي بأعلى صوتنا كما اعتدنا على منصات مسارحنا ولتخرج كلماتنا لتوقظ ضمير العالم بأسره”.

ومن جهته، انطلق د. محمد أبوالعلا، في محاضرته القيمة، من لحظة “تزامن اليوم العالمي للشعر باليوم العالمي للمسرح”، ليتحدث عن توأم الشعر والمسرح لدى اليونان، وعن كتابات شكسبير الشاعر والمسرحي، قبل أن يلج موضوع محاضرته من باب القناع الذي يرتديه الشخص ليتمسرح، ومن الارتباط القائم بين الركح والواجهة، وبينهما وبين الكواليس التي تمكنت الرقمية من “انتهاك” خصوصيتها وحميميتها، وأمام ما يتعلق بدور المسرح في ارتداء الاقنعة، رأى المحاضر أن “المسرح جاء ليعري الأقنعة التي نرتديها في الحياة العامة”.

وفي ذات السياق، رأى صاحب كتاب “المسرح المغربي من النقد إلى الافتحاص” أن “الإنسان ممثل بطبيعته” ليؤكد أنه “لا يجب في المسرح حصول الإقناع بل يجب الإمتاع الذي هو من صميم التواصل في التداوليات”، ذلك ليركز أكثر على شخصية الممثل ومدى “تخليه عن لباسه المعتاد بغاية تقمص شخصية المسرح، أو تحرره من ذاته لركوب شخصية أخرى”، ومن هنا عاد المحاضر بالحضور لتاريخ دخول المسرح من اليونان إلى العالم العربي، ولمسرحية “البخيل” التي عرضها مارون النقاش عام 1848 في بيروت عن مسرحية للشاعر موليير. 

وحول الجسد وقيمته في الفرجة المسرحية، سافر المحاضر د. أبوالعلا بالحضور في تشكل اللحظة الوجودية بالجسد فوق الركح كطابو، مستحضرا “حادث إحراق مسرح القباني بسوريا بسبب احتفاء الأخير بالجسد في بيئة محافظة”، كما في مصر حين تقرر “ترحيل هذا النوع من الفرجة نحو الكباريهات والملاهي الليلية لاعتماده على الجسد”، ذلك قبل انتقال المحاضر لطبيعة الخلاف بين المسرح والرواية، والرواية التي لا تعرف أي تنظيرات وجدال احتضانها للمسرح الآتي من الغرب إلى حين توطين المسرح في العالم العربي.

ومن جهة أخرى، توقف المحاضر، مؤلف مسرحية “بعد الحكي تموت اللقالق”، للتطرق لبعض “اتجاهات المسرح المغربي وظروف محاولات تسييسه أو جعل المتفرج يتماشى مع النظرية”، قبل تناوله موضوع المسرح في عهد الحماية و”تأثير السياسي حينها على الفرجوي”، وكذا تطرقه لتجربة الطيب الصديقي التي وضعت حدا للتأثير الغربي و”المشرقن” على المسرح المغربي، مع تمكنها من تذويب النموذج الغربي في القالب المغربي وجعله متصالحا مع التراث الوطني.

وعلى مستوى آخر، لم يفت المحاضر مشاطرة بعض النقاد، بينهم عبدالواحد عوزري، ممن تناولوا نموذج “المعهد العالي للتنشيط المسرحي”، وحالة طلبته الذين يتقدمون إليه “ولا علاقة لغالبيتهم بالمسرح، وولوجهم لدراسة المجال ليس سوى رغبة منهم في الحصول على وظيفة على الركح أو بمؤسسة ثقافية”، فيما انتقل المحاضر للمهرجانات التي “ينصرف فيها النقاد إلى الندوات بدل الانصراف إلى العروض التي يتم تركها للنقد الإعلامي الذي يبقى هشا وغير مبني على قواعد النقد المناسب”.

وصلة بذات اللقاء المفتوح، حرص المحاضر، د. أبوالعلا، على استحضار بعض التحديات المعيقة لتطور الثقافة المسرحية، ومن ذلك “ابتعاد أو إبعاد تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات عن المسرح”، و”مدى محدودية مداركهم بخصوص ذلك”، وكيف أن “كل قراءاتهم للغة المسرحية هي قراءات لأي سرد”، علما، يضيف المحاضر، أن “النص المسرحي ليس هو النص السردي”، ما يساهم في “قتل موهبة التلميذ أو الطالب، بمناهج معينة وبغياب مختبرات الاشتغال على النظري والتطبيقي كما هو الشأن بالنسبة لمؤسسات الغرب”.

وواصل المحاضر مداخلته بتفكيك مواضيع من قبيل اغتراب الجمهور وترويض المتلقي وثنائية الأنا والآخر وما بعد الدراما، كما بتوقفه لتشخيص “معضلة أزمة النص وما تخلقه من استمرار مظاهر الاقتباس بشكل يدعو للبحث أكثر عما يمكنه معالجة هذه المعضلة”، سيما في “الحالات التي يتم فيها اقتباس نصوص من أدب العبث، أو يستمر فيها تلقي ما ينتجه الغرب من تشخيصات ونظريات وعوالم غريبة”، ليشدد بقوة على “ضرورة نسيان ما كتبه الغربيون والبحث عن بناء مسرح مغربي حقيقي”.

وتميزت أجواء اللقاء بتفاعل الحضور ومساهمته بالكثير من التساؤلات والتصورات من قبيل ما يتعلق بالنقد المسرحي ومدى استفادة المسرح المغربي منه؟، وبما يرتبط بالقناع والإقناع في المسرح؟، وحدود انتظارات المسرح المنشود في غياب الحرية الضرورية؟، وواقع غياب المناهج الخاصة بالمسرح في المنظومة التعليمية؟، فيما تطرقت تساؤلات أخرى لعلاقة المسرح بالفلسفة بناء على أصله اليوناني؟، كما لإشكالية أزمة النصوص؟، فيما خيمت على اللقاء واقعة إقدام المسرحي أحمد جواد على إضرام النار في جسده أمام وزارة الثقافة.