المركز الثقافي بخنيفرة يستضيف نقاشاً عمومياً حول عراقة الصناعة التقليدية في بلاد زيان وسبل تثمينها

0
  • أحمد بيضي

انطلاقاً من أهمية التراث في تأكيد الهوية والإنسانية، وما يحتاجه هذا المجال من عناية وتثمين، باعتباره رمزاً مرتبطاً بالخصوصيات الثقافية التي لا يمكن إنكار مكانتها في إطار تعزيز الروابط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وفي استمرارية المجتمعات، افتتح “المركز الثقافي أبو القاسم الزياني”، بخنيفرة، مساء السبت 28 يناير 2023، برنامج “محاضرات الشهر” بلقاء مفتوح مع الباحث الدكتور جواد التباعي، في محاضرة تحت عنوان: “الصناعة التقليدية في بلاد زيان: العراقة وسبل التثمين”، وتميز هذا اللقاء بحضور نوعي متفاعل من مختلف الأطياف والميادين الثقافية منها والجمعوية والإعلامية، ومن المشتغلين في ميدان الصناعة التقليدية.

وخلال تسييره لأشغال اللقاء، لم يفت الباحث في التراث، ذ. المصطفى فروقي، وضع الحضور في صلب المخطط الثقافي الذي رسمه المركز الثقافي أبوالقاسم الزياني من أجل ملامسة كافة المجالات الثقافية، وفي دلالة ورمزية موضوع “محاضرة الشهر” على اعتبار التراث المحلي والجهوي من المجالات الخصبة التي تستحق الاهتمام، سيما أن المنطقة، يضيف المتحدث، “تعاني من خصاص كبير في الدراسات العلمية المعنية بالتراث”، مؤكدا أن برنامج “محاضرات الشهر” ستتم فيه “استضافة باحثين ومبدعين محليين من باب الرغبة في النهوض بثقافة المنطقة”، وبالبحث في التراث باتجاه جعله منخرطا في التنمية المحلية ورافعا لها.

ومن جهته، انطلق ضيف اللقاء، الباحث في التاريخ والتراث، الدكتور جواد التباعي، من عراقة الصناعة التقليدية، ومفرداتها الغنية وتفاصيلها العميقة، ومركزا أكثر على تاريخ صناعتي الجلد والنسيج، بدءً من العصور القديمة التي كان فيها الناس يعتمدون على الجلود في اللباس والغطاء، وإلى نحو ظهور الزوايا والأضرحة التي كانت مفروشة بما يعرف ب “الهيدورة”، ونظرا للصناعة الجلدية الموغلة في القدم بالمغرب، لم يفت المحاضر التطرق لما عرفته تجارة الجلود بمنطقة زيان من ازدهار وتصدير لخارج البلاد، فضلا عن تنافس الأوروبيين على اقتنائها، خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات، وبعدهم الصناع التقليديون لمدن عريقة مثل فاس ومراكش.

وبعد وقوف المحاضر عند المصنوعات الجلدية الزيانية التي ظلت وما تزال رائدة على المستوى الوطني، عرج بورقته على تاريخ دار الدباغة بخنيفرة خلال القرن التاسع، وعن أمين دباغي فاس الذي كان دائم الوجود بخنيفرة، كما عن اليهود الذين كانوا يفضلون ويقبلون على الجلود الزيانية، قبل تركيزه على العوامل التي ساعدت في الإقبال على جلود المنطقة، والطقوس والمعتقدات التي كانت تصاحب صناعتها للتأكيد على قيمتها الاجتماعية والروحية، مذكرا ببعض المصنوعات الجلدية مثل “الشربيل” و”الشكارة” والنعال والحقائب والطرابيش والدفوف وآلات الوتار، وكذلك ببعض المصنوعات التي باتت على أبواب الانقراض مثل “القربة” أو “الشكوى”.

وارتباطا بذات المحاضرة، انتقل المحاضر، الدكتور جواد التباعي، للحديث عن تاريخ النسيج بقبائل زيان، انطلاقا من عهد الحماية إلى العصر الراهن، ومنه أساسا صناعة الزرابي وأنواعها وجودتها ورموزها، وكيف كان الفرنسيون، خلال الحقبة الاستعمارية، يقيمون لها معارض بدولتهم، ويمنعون الصانع المغربي من خلط اللونين الأحمر والأخضر في زخرفتها لما لذلك من رمزية وطنية، وكيف كان سكان الجبل يستعملونها لمقاومة البرد كغطاء أو كفراش، أو لوضعها على رأس هدايا العرسان، فيما توغل المحاضر أكثر في خصوصيات ومميزات الزربية الزيانية، وفنونها وألوانها ورموزها، وفي تسميات منسوجاتها وضفائرها وأهدابها.

ومن خلال محاضرته القيمة، تطرق المحاضر للألوان التي تميز الزربية الزيانية، والمرابطية مثلا، عن باقي الأنواع الأخرى، فيما ذكر بأفرشة ومنسوجات زيانية من قبيل “القطيفة” و”الحنديرة” و”تاميزارت” و”الخيمة” و”الحنبل” و”الجلابة” الخ، ثم شدد على ضرورة “توثيق الحرف المهددة بالاندثار”، وعلى “تظافر ما يمكن من الجهود لأجل تثمين المنتوج”، وداعيا إلى “إنشاء مسار سياحي للحفاظ على الذاكرة والموروثات الثقافية”، و”إحداث دار للصانع بكل جماعة ترابية للإقليم، والاهتمام بأوضاع الصناع التقليديين، ودمج التكوين بالمعارف الموروثة”، والعمل على “إنجاز ملف شامل ومتكامل حولها لجعلها تراثا وطنيا مع تقديمه لليونسكو لأجل اعتباره تراثا عالميا”.

وجرى تتويج اللقاء بفتح باب المناقشة في وجه الحضور، حيث تم من خلاله إغناء النقاش بالكثير من التصورات والآراء، من قبيل الدعوة لخلق وحدات مرجعية لأجل التجميع والتثمين، ومشكل تسويق المنتوجات، والثابت والمتحول في الصناعة التقليدية والرأسمال المادي وغير المادي، ومدى انعكاس العنصر اليهودي والتاريخ الأمازيغي على الزربية، والحاجة إلى نوع من اللسانيات والدراسات لتطوير معجم المفاهيم والمصطلحات والمناهج المرتبطة بتراث صناعة الزرابي وفك رموزها وأسرارها، وسبل حمايتها من المنافسات المتسارعة، فيما جرى طرح الاكراهات والتحديات والمشاكل التي تعترض حياة وظروف ومطالب الصناع التقليديين.