قصبة أدخسال.. مفتاح تاريخ خنيـفرة

0
  • المصطفى زيان (°)

قصبة أدخسال، عند قدم الأطلس المتوسط الجنوبي الغربي، موقع أثري لعب أدوارا استراتيجية في تاريخ المغرب، أدخسال القصبة، أو المحلة، واحدة من قصبات خنيفرة وقلاعها، مآثر مترابطة داخل مجال واحد، وإن برز اسم خنيفرة فلأدخسال شأن سنساهم في استجلاء مؤشراته عبر تحديد إطاره الجغرافي مرورا بالخط الزمني لبناء القصبة وخرابها.. ولعل هذه الورقة المعدة على هامش مسار ‘‘نادي أسمون نعاري للرياضة والسياحة’’ بمناسبة اليوم العالمي للمواقع الأثرية، مبادرة تحاول توثيق وحفظ الذاكرة الجماعية لإزالة حيرة المهتم والباحث الأكاديمي الواقف على أنقاض أسوار العمران السياسي المحلي..

  • أدخسال مصطلح جغرافي أمازيغي

أدخسال ‘‘باللام’’ الأكثر تداولا للدلالة على سهول شرق خنيفرة والقصبة.. أدخسال ذكرها رحالة ومؤرخون بصيغ متباينة (دخيسن أدخسان وأدخيسان..)، محليا إذْخسان جمْع أذخْس: حليب اللبأ الذي يخرج من الثدي عند الرضاعة أول أيام الولادة بلونه الصلصالي وكثافة بنيته، تعبير دقيق عن خصوبة التربة أو كإشارة لما يترسب في قعر الإناء المملوء بالماء للدلالة على توضع الرواسب في حوض غني بموارده المائية.. تتختُّر المواد العضوية تتشكل تربة، بمواد خصبة معدنية، تيرست حمري وصلصال..

بإيجاز “أدخسال”: مصطلح جغرافي أمازيغي، اسم مكان  لحوض رسوبي بين الجبال، ويطلق اليوم على سهل ممتد عند قدم كتلة أقلال وزايان وجبل الحديد بووزال جنوب شرق خنيفرة، بسيط تخترقه أودية ومسلات، هي روافد نهر أم الربيع أهمها؛ بوزقور شبوكة وسرو.. يشمل ضيعات فلاحية ووحدات لتربية الدواجن، حلبة سباق الخيول ودواوير سكنية متفرقة..

  • إشارات لأدخسال في التاريخ الغابر..

هناك غموض يكتنف تاريخ إقليم خنيفرة بقِلعه وقصباته وقناطره.. يقال أن المنتصر يدون ما يشاء لذلك نجد تاريخ الأطلس أغلبه شفهي ريثما يملأ علم الآثار بياض صفحاته.. لكن هذا لا يمنع من جمع المدون في المصادر والمراجع؛ وقد يتفاجأ الباحث في المجال الخنيفري بأن المسافة الممتدة من منبع نهر أم الربيع الى حدود تامسكورت-الهري كان يطلق عليها اسم أدخسال وهو خنيفرة اليوم !؟ لقد جاء في‘‘وصف أفريقيا’’ للوزان أن «أم الربيع نهر كبير.. يجري عبر سهول أدخسان، ثم يخترق شعابا ضيقة».

 كذلك نجد وادي بوزقور العابر لأدخسال، من أقلال لأم الربيع، كانت عليه دار سكة للنقود الفضية حسب دانيال أوستاش، في كتابه “الجامع في الدراهم الإدريسية”، بأن إدريس الأول ضرب -مقابل مال وإتاوة- دراهم فضية وفي عهد أبنائه ستتكاثر دور ضرب العملة باستغلال مناجم فازاز(عوام) ووزقور، ما يعني أن حوض بوزقور كان له شأن عهد أحمد بن إدريس الذي عينه أخاه محمد سنة 828م «على مكناس وتادلا وما بينهما من بلاد فزاز»، هذا حسب الناصري صاحب كتاب “الاستقصا”، وتجمع الكتب التي أرخت لخنيفرة أن أدخسال محلة أو ساحة وغى عليها دارت أهم الحروب المؤدية لتشكيل الزعامات والدول التي حكمت المغرب قديما..

  • قصبة أدخسال بين التجديد والتخريب بديات تشكيل الدولة المغربية

المائة الأولى مظلمة لا نعرف عنها الكثير، ويبدأ التاريخ المكتوب بالحسم أن القصبة أو المحلة شرق خنيفرة شيدها يوسف بن تاشفين سنة 1061م لحصار قلعة فزاز المتواجدة قرب قمة عميرة ‘‘مقدمة جبل زايان’’ المطل على أدخسال من مغارة أفري ن-دونيت ودوار أيت نوح بالدير.

حسب مقدمة بن خلدون؛ حاصر المرابطي قلعة المهدي ويهاجمها من بلاد فزاز، ثم  صد هجوم مغراوة و الزناتيين القادمين من فاس و مكناس «ترك بعض جيشه تحت أسوار هذه القلعة لمواصلة الحصار..» و أكمل صاحب “روض القرطاس” (ابن أبي زرع) : «دام هذا الحصار تسعة سنوات و انتهى بدخول المرابطين للقلعة بدون قتال سنة 465هـ/1071م».

بعد سقوط حكم الدلائيين، وحسب الزياني، جدد المولى إسماعيل قلعة أدخيسان سنة 1672م: »أمر بحصار البربر دون النزول الى المرعى والحرث ونحوهما« وأنزل بين أدخسال وقلعة أيت إسحاق 4000 جندي من عبيد البخاري، لقد تبين من سياسة المولى إسماعيل أن مسألة فزاز مهيمنة على كل المسائل الأخرى؛ إخضاع الأطلس المتوسط مفتاح حكم المغرب، لذلك منع أيت أومالو من الاتحاد كي لا يبعث مشروع الدلاء من رماد، حاصرهم طيلة 21 سنة أرغمهم على تسليم الخيول والانشغال بالرعي وأداء الضرائب واسقط عنهم الوظائف.. ثم بمجرد ما تدهور حكم السلطان القوى تم تخريب محلة أدخسال رمز الحصار دون بلوغ الآزغار..

لإخضاع آيت أومالو على نهج المولى إسماعيل اهتم أحفاده بأدخسال ك؛ السلطان محمد بن عبد الله (1757م) و السلطان المولى سليمان الذي حل بأدخسال و انهزم في ‘‘معركة زيان’’ سنة 1819م. عهد السلطان المولى الحسن الأول تم تعين موحى اوحمو الزياني قائدا مخزنيا سنة 1886م لتأمين العبور على ممر السلاطين، كما زار  السلطان قصبة أدخسال سنة 1888م جيَّشها ومكث فيها بضعة أيام لإخضاع إشقيرن و كان قبلها قد قاد حملة عسكرية تأديبية ضد قبائل أيت سخمان سنة 1887م لغدرهم بالأمير مولاي سرور عم السلطان..

القصبة على ممر السلاطين عبارة عن قصر، تُزَيِّن واجهته الأقواس، محاط بسياج تخترقه ساقية ماء به أشجار التين و الزيتون و الرمان و العنب.. به طابق أرضي مخزن للمؤن مقر للجند و سجن..

قصبة أدخسال و خنيفرة طالما وصفت ب‘‘المحلة المشؤومة’’ لِما تعنيه من حصار وفصل للجبل عن الآزغار و أداء الضرائب و تسليم الخيول و السلاح.. ففي التاريخ الغابر قوة الزعامات تغير تقتل تحرق تسبي تغنم فتمضي، الدولة تعني الضرائب أو يغِيـر السلطان فيغنم و يُخرب..  أرض أيت أومالو تعطي ولا تربح غير الحصار تهان تنعت ببلاد السيبة.. لعل هذه مبررات تخريب القصبة والقلع عبر العصور كتمرد على السلطة الزمنية ربما كان خراب المهدية، بعد دخول يوسف بن تاشفين والمولى إسماعيل إن لم يكن عبد الله بن إسماعيل، مخربها..

الأهم في كتب؛ ‘‘بلدة خنيفرة’’ للزياني و‘‘معركة الهري صفحات من الجهاد..’’ لمحمد بن لحسن أن «السلطان مولاي الحسن ألحق بقصبة أدخسال حامية أخرى بعد الأولى التي أنزل بمعسكر خنيفرة و بقيت بها الى حدود الاستعمار الفرنسي 1914م».

  • سهل أدخسال سنوات الاستعمار الفرنسي

حيث الماء والخضرة والغلال و الغابة والمعادن.. شكل الأطلس مجال جذب، الغزاة القدامى مقاومون بالفطرة جربوا حكم القبيلة، تواقون للحرية، انتصروا انهزموا غلبوا أضاعوا فرص أهل الدلاء.. إنها أرض الفرص الضائعة!.

يشير محقق ‘‘كباء العنبر’’ أن استعمار المغرب لم يكن ليتم إلا بظهر محمي من الأطلسيين و لا استعمار مع بقائهم خارج السيطرة و في ذلك دوّن ‘‘هوبير ليوطي’’ المقيم العام «إن بلاد زيان تصلح كسند لكل العصاة بالمغرب الأوسط… فمن الواجب أن يكون هدف سياستنا هو إبعاد كل الزيانيين بالضفة اليمنى لأم الربيع».

في يومياته ‘‘الجبل الأمازيغي’’، دون الضابط كنون في إشارته لـ ‘‘جبل زيان’’ ذلك الغامض المهيب: «تشتهر قرية أيت نوح… بجودة خزفها الذي يغرق البلاد»، وحسب يوميات فرانسوا بيرجي «العديد من المساكين يكسبون عيشهم بفضل الجير والجبس الموجهين لمراكز المراقبة ومساكن الأوربيين».

أول خطوات المستعمر «خسر الكولونيل هنريس 11 قتيل و 77 جريح حين خرج اتجاه أدخسال ليؤسس مركزا عسكريا متقدما»، كذلك العلامة على دير بووزال بأدخسال تشهد كذكرى معركة الهري الشهيرة ليوم 13نونبر1914، بالإضافة لشهادات د.محمد بن لحسن هذه، آثار المستعمر لا تزال قائمة من بناء قرميدي وبناء بالحجر و الجير على حطام البناء القديم و بقايا أسوار البناء الطيني (بناء اللوح، تربة طين جيري) و البناء بالطوب (آجور الأحمر)..

زمن الاستعمار الفرنسي مارس المستعمر أيضا حصارا من القصبة كدارس ذكي للتاريخ، فإخضاع الجبل و الآزغار يعني الثروة و التحكم في الطريق التجارية بين الاتجاهات الأربعة.. لذلك شيد بالبسيط أسباب الاستقرار؛ بنيات مختلفة؛ مسالك مدارس مخازن جمع المحاصيل قنوات الماء وأشجار الكالبتوس..

ختاما تلكم أدخسال الأمس تاريخ الأطلس المتوسط وآيت أومالو، أدخسال اليوم يشهد تغير البنى الإنتاجية التقليدية بظهور ضيعات عصرية للإنتاج التسويقي لإنتاج وتصدير الجزر البطاطس والورديات.. في تحد لنذر المياه.. بالموازاة مع ذلك، وفي اليوم العالمي للآثار، وفي زيارة مشاة ‘‘نادي أسمون نعاري’’ للموقع لا يزال الآثار وحطام المحلة، ما بقي من آثار الهدم والتجديد، يقاوم الزمن والتهميش والتلاشي.

هذا مع اهتمام بطيء لسياسة حماية التراث في أفق تثمين أسوار خنيفرة وقلعها وقصباتها لجعل التراث بأنواعه ضمن رهانات التنمية المستدامة.. عالم اليوم يشهد اهتماما بالآثار مع تطور تقنيات ومهن الترميم وفق الضوابط الدولية۔۔ لوجيستيك مواد وتقنيات التجميع الجزٸي لعناصر الأثار الحماية التقوية الترميم التأهيل وإعادة البناء..

(°) فاعل مدني